رمال

أخذت دموعها تنحدر عند أول خطوة خطتها خارج الطآئرة, إنه نسيم الوطن, ذلك النسيم الذي يعدل جنآت بابل وغآبات الدار البيضآء الخلابة, إنها اقدام تعانق أرضآ ولدت فيها ولم ترها, “عآئشة” كآنت فتاة من رخآم, تنظر الى الدنيا نظرة رأسية ملئها الازدراء, ولدت وعآشت في خضم غربة الجآر”المملكة المغربية”, كآن والديها قد أجبرا على الرحيل شمالا هربا من حكم العسكر, بعد فترة انقلابات عسكرية تلت حكم المختار ولد داده, واستوطنا المغرب, حيث فتحت عآئشة عيناها عائشة على العلم الاحمر, على الجلاليب البيضآء, وانخرطت في صلب المجتمع.
دمآئها استيقظت حين هب نسيم انوآكشوط, اغرورقت عيناها بدموع مبهمة لم تعرف وقتها سببها, مسحت عينآها على عجل, سحبت حقآئبها وأسرعت حتى تلحق بالركب, أخوها حسآم مبني على نقيضها, أتى على متن الاستكراه الى وطنه هذا الذي يجهل؛ فهو لايعتبرها جزئآ من القاموس, لكنما جبرا لخآطر أخته الكبرى لآ أكثر, استغرقا وقتا حتى وصلا الى المطآر الذي يبعد مد البصر عن مهبط الطآئرة العجوز, موظفة الاستقبال السمراء تبتسم بطريقتها الخاصة في الوجوه من تعرف ومن تظن أنها تعرف, محملة بجيوش من الغيرة من المغتربين على أسآس أنهم يعيشون أفضل منها, تسأل في مايشبه الصرآخ: جواز سفرك وأي رقم شخصي؟ تجيب عآئشة بأريحية من اعتآد على هكذا معاملة: تفضلي ستي,تحت سقف مطآر يستجدي المسآعدة, سيء أن يكون لوطني هكذا وآجهة, تقول عآئشة في خآطرها وهي تجول بنآظريها في أرجآء المطآر العتيق..
خآرج البوابة الناس محتشدون, الكل ينتظر رفيقا أو قريبا أو صديقآ, جآلت بنآظريها عآئشة هي وأخوها بآحثين عنه..أين من استدعآنا للوطن ؟ لقد تأخر الوطن..أو نحن من تأخرنا, جآء الوطن معتذرا بترحيب وابتسآمة عريضة, ربما أستطيع التعويض لكما عن اجازتكما شمآل الابيض المتوسط بأخرى أكثر نقاءً على حافة الكثبان الرملية, إنه “ضيآء الدين” الاخ الاصغر والوحيد لوالد عائشة, اختار على العكس من أخيه أن يظل تحت منآرة شنقيط وإن كلفه ذلك بعض السنين خلف قضبآن “ولد هيداله”, كآنت عآئشة فتآة فطنة, فرغم حسآسية الذكريات بالنسبة الى عمها, إلا أنها أدركت جل أحداثها من خضم ملامحه, أربعيني إلا أن رسم التجآعيد في سمآء محيآه يشير الى اكثر من ذلك, اتجهوا شرقآ أولا لإصرار العم المنآضل على المضي بهم قدما مخترقا عباب الصحراء, أنآخت سيارة أصدقآئنا ردحا من الوقت في بلدة تدعى “القايرة” مسقط رأس والد عآئشة, منزل متوآضع معمول على هيئة كيس للتمر..يقول حسآم بنبرة السخرية, قال العم: ربما تجد فيه مايشد اهتمامك ياحسآم, تلقآها الكل ببشآشة لم تعهدها منذ زمن, أحست بشيء من الغبطة رغم توآضع المكآن, توآلت الوفود المرحبة وضيآء الدين يعمل على مد الجسور بين الشطآن المتبآعدة, شآب عشريني يأخذ حسآم على مصطبة قريبة: تعآل لأريك كيف نعيش هنا..!, يمضى حسآم يحمل في عينيه قدرا من التهكم المشوب بالفضول, أنا محمد ابن عمك والدي هو من جلبكم لنا ليفرحنا بكم, رد حسآم بعنجهية بدأت تتضآئل..تشرفنا انا حسام, حسنا مالذي دعوتني لتريني اياه..؟ فقط بعض وسائلنا التقليدية في رفع الماء من البئر ورعي البقر وسوقها الى مراعيها, اراهن أنك لم تعرفها كثيرا في “كآزبلنكا”.. عذرا لم تصادف شخصا مهتما..
رغم عصبية محمد إلا أنه كآن يحسن السيطرة على انفعالاته, لم يكن يريد أن يزيد الصورة قتامة عنهم لدى حسآم, لذا ابتلعها على مضض..
أحست عآئشة بأنها ولدت من جديد, هنا حيث المشآعر يتم انتاجها تلقآئيا بمجرد النظر في الوجوه, إنه شعور مختلف, هؤلاء البشر رموا بكل سجل حياتها عرض الحائط, إنهم يعترفون رسميا بوجودية النقيض العدمي الذي سكن عائشة منذ انطلاق حياتها, لأول مرة لاتبتسم مجاملة لأحد, تضحك من قلبها دون تكلف, شغلها كل شيء..على العكس تماما من اخيها حسآم الذي أعلن رسميا مراسيم الوداع, وضب حقائب الابتسآمات, استوقفه بعض العتاب الذاتي: لايصح أن تكون عائشة قد اختارت البقاء, لن يستقبلني أحد إن عدت من دونها, بات يترقبها من بعيد تستمتع بوقتها مع بعض الفتيات, تطعم بعض الحيوانات, سحقا, يبدو أنني كنت محقا يقول حسام في خاطره, لابد من طريقة لإقناعها بأن قد أزف الرحيل, لقد بعثرت شهرا من حيآتي بين منازل متسخة تعود لعصر الفينيقيين, لم يجد وسلة افضل من الحديث الى صديقه المفتعل “محمد” , فانفعل محمد على غير عادته قائلا: إن كنت قد مللت منذ مستهل مجيئك فهي للتو قد بدأت إجازتها, سحب حسآم قواته
واتصل هآتفيا بالخطوط الجوية الفرنسية, ثم بآكرا جمع حقائبه, دون أن يعلمها, وغآدر..!

Leave A Comment