قصة قصيرة
رأيته مرتبكا تبدو عليه علامات الحذر والترقب, كان يقف على الضفة الأخرى للشارع , ويحدق الي لفتت انتباهي نظراته وحركاته رغم كثرة الناس, راودتني نفسي على الذهاب إليه وإسكات داعي الفضول الذي ينتابني, التفتُّ يمينا ويسارا حتى أجد لنفسي متّسعا لعبور الطريق, وفي لحظة أمسك به رجلان ضخما الجثة وخاطباه بلهجة عنيفة ثم مالبث الثلاثة أن غابوا بين الناس وانا متسمر مكاني لاأدري مايحدث, وكانت الساعة تشير حينها الى العاشرة, تذكرت ان علي عمل غداً صباحا
أوقفت سيارة أجرة وبعد دقائق كنت في المنزل فوجدت الجميع يغطون في النوم, رميت بجسدي المنهك على الأريكة دون حراك ولكن التفكير في الرجل الغريب لم يمكنني من النوم بسرعة حتى غلبتني عيناي بعد ساعة فاستسلمت لهما حتى طلوع الصباح.
صليت وارتديت بذلتي العسكرية فأنا ضابطٌ مرموق قي الجيش ولدي الكثير من الأوسمة تزين صدري من اليسار والشعارات على كتفي, مع أني لاأهتم لها كثيرا استقليت سيارتي وانطلقت الى مقر القيادة العسكرية بطرف المدينة, فلما وصلت أدى الجنود التحية كعادتهم, ودخلت مكتبي ورميت بالقبعة على حاملة الثياب وألقيت بنفسي على الكرسي الدوار, فحانت مني التفاتة إلى جهاز الفاكس إذا به رسالة تحمل تاريخ الأمس وبخط عريض كتب عليها (لا تعبث معنا, وإلا فإن زوجتك وأطفالك في خطر) لم أتمالك نفسي حينها..شددت على الورقة حتى كادت تتقطع باحثا عن أية معلومات أخرى بها ولكن لم تكن بها سوى تلك الكلمات المخيفة, رفعت سماعة الهاتف بسرعة البرق واتصلت بمركز الإستعلامات في المقر سائلا عن اية اتصالات او رسائل وردت للمركز يوم أمس فأجابوني بالنفي فازددت حيرةً, اتصلت بسرعة على زوجتي لأطمئن على الأولاد فأجابت: لاتقلق, الفتاة تغط في النوم وأخوها أخذته الحافلة قبل قليل الى المدرسة, فقلت في ارتباكٍ واضح: لاتخرجي اليوم وأغلقي عليك الباب وابواب المنزل جميعاً, فكأنها شعرت بما يراودني من الهواجس فقالت: هون عليك فنحن في منطقة حديثة مزودة بأجهزة المراقبة وأيضا هنالك الكثير من دوريات الشرطة لاتمل الدوران فيها, فهدأت نفسي قليلا وانهيت المكالمة.
سحبت الورقة من فوق الطاولة وأمعنت النظر فيها, فإذا بجهاز الفاكس يطبع ورقة جديدة, وضعت يدي عليها أنتظر أن تتم الطباعة ثم سحبتها وكانت لاتحمل شيئا سوى عنوان مُبهم, فارتأيت أنه عنوان الرسالة الأولى فانسللت من المركز بهدوء حاملا الورقة وانطلقت قاصدا العنوان الذي عليها, فلما وصلت اليه إذا به نفس المكان الذي كنت أقف فيه البارحة, فقلت لنفسي”لابد من أن يكون للرجل الغريب الذي رأيته البارحة علاقة بالأمر”, عدت الى المقر واستدعيت فنانا من قسم التحقيق الجنائي وأدخلته مكتبي وحاولت استرجاع ملامح رجل الأمس, وكان الرجل الذي استدعيته فنانا بارعا فلما تذكرت ملامحه اكتفى بذلك وأكمل الرسم, فسألته: هل تعرف هذا الشخص؟؟, رأيتك ترسمه كأن قد سبق لك رسمه, فعَلت وجهه ابتسامة وقال: نعم سيدي‘ هذا قاتل متسلسل تم اطلاق سراحه مؤقتاً لأنه أمضى نصف محكوميته في السجن, ولكنه غافل الرجال الذين كلّفناهم بمراقبته وفرّ الى خارج المدينة الى حيث مخابئ العصابات,لم أشأ حينها أن أقول للرسام المحقق أنه داخل المدينة وأرسل لي رسالة يهددني فيها, فأشرت بوجهي لأعلى ولـأسفل مع ابتسامة جافة وطمأنته قائلا: لاتخف المدينة في قبضتنا إن فكر بالعودة هو أوعصابته ثم أمرته بالإنصراف, واستدعيت مسؤول قسم الجنايات في المقر أطلعته على الرسالتين لأنه كان أعلى مني رتبة وصديقي المقرب في آن معاً حتى أنني لم أكن أخفي عليه شيئاً, ففوجئت بأنه كان يعلم بقدوم القاتل الى المدينة من قبل ان اخبره, فقال لي لك أن تعلم أننا نحن في قسم الجنايات نضع عصابات المافيا المنظمة في جيوبنا فما بالك بعصابة سخيفة كهذه, واستطرد قائلا: يبدوا أننا أطلنا اللعب مع هؤلاء الحثالة حتى تمادوا, لاتقلق سأدوسهم بقدمي هاتين من أجلك وأعدك بأنهم لن يرو ضوء الشمس بعد اليوم, ثم استل هاتفه النقال وقال لي: وحتى ذلك الحين خذ إجازة قصيرة ولاتسألني لماذا؟؟ وجعل يعبث بأرقام هاتفه, بدت لي الثقة من كلامه فارتديت معطفي وتركته يتمعن في الرسالتين ويكلم شخصا في الهاتف ثم غادرت المركز وأدرت مفتاح السيارة متجها إلى المنزل.
جئت قبل انتهاء الدوام بساعتين مما أثار استغراب زوجتي لاسيما أنني ام أخلع سلاحي في المقر كما كانت توصيني دائما, وفي برهة سمعت أصواتا حادةً في بالخارج فخرجت ونزلت عتبات الباب فإذا بها سيارة فقدت التوازن وصدمت احدى السيارات الأخرى والناس قد تجمهروا, فقلت لنفسي يكفيني مابي من المشاغل فلأترك شرطة المرور تعمل عملها وكرّيت راجعاً وصعدت الى الطابق العلوي فإذا هاتفي النقال يرن نظرت في شاشته فإذا صديقي من المقر فسألته: هاه؛ مالجديد؟
فبادرني بالقول طِر إلي عند جسر الجزيرة الخضراء أنا أنتظرك هناك وأغلق الخط
استغربت هذا ففي البداية ولكن قلت هذا صديقي لايمكن أن يكون مستعجلاً هكذا إلا لأمر قد طرأ, تحاملت على نفسي وركبت السيارة قاصدا المكان المذكور, بدا هادئا أول الأمر فترجلت من السيارة وجعلت أمشي على قدمي ففوجئت بفوهة سلاح تمتد في رأسي من الخلف استدرت فإذا هو الرجل الذي رأيته تلك الليلة ومعه خمسة من أتباعه يشير بسلاحه الى رأسي ويقول في تهكم: أتظنون أنكم أذكى منّا, وسرعان ماأجابه صوت من خلف الجسر نعم أيها الأحمق نحن أذكى منكم بكثير, التفتّ بسرعة فإذا هو صديقي المحقق في مروحية سوداء تصعد من خلف الجسر في مشهد سينمائي, ثم مالبثت دوريات الشرطة أن اقتحمت المكان بعنفوان الأبطال, ثم شهدت بعد ذلك تبادلا لإطلاق النار بين الشرطة والعصابة أصيبت فيه ذراعي لكننا انتصرنا في النهاية وزال الخطر عن عائلتي أخيراً, ولكن كان لايزال هناك سؤال عالق بذهني, بحت به بعد أيام من الحادثة لصديقي المقرب وهو لم رميت بي في أحضان الخطر؟؟ فأجاب: لكي تمسك السمكة يجب أن ترمي لها بالطعم الـــذي تريده ياصديقي….