مدخل لفهم الهيدروجين والإقتصاد الأخضر

تمهيد

لايخفى على المتتبع لتراث الطاقة الاقتصادية العلمي أن العالم منذ عشرات السنين يتطلع لمصادر طاقة بديلة ليس خوفا من الاحتباس الحراري فقط ولكن للضرر الذي يحدثه التقلب السعري في أسواق الطاقة على التضخم والاقتصاد وحياة الناس, للدرجة الني جعلت بواعث القلق والإبهام حول مصادر الطاقة تصبح الثابت الوحيد في ظل جغرافيا سياسية مضطربة. في العقدين الاخيرين تزايد الاهتمام العالمي بشكل ملحوظ بالطاقة المتجددة علميا وصناعيا أسفر عن أسواق للصكوك الخاصة بالكربون ومعايير للاستدامة

على المستوى الدولى اتضحت الحاجة للطاقة البديلة بشكل حاد بعد تتابع ثلاث أزمات عالمية كان أولها وباء كوفيد 19 الذي قطع أوصال التجارة العالمية ثم اشتعال الحرب بين قطب طاقة كبير هو روسيا وأوكرانيا المتحالفة مع مع معسكر غربي كبير, وكان آخر هذه الازمات الاجتياح الصهيوني الجاري لقطاع غزة والتي تقع في شرق أوسط يضم خمس الانتاج العالمي من البترول, لا تعد الأخيرة هي الاولى من نوعها بين أطرافها ولكنها الأبلغ أثرا أما في حال اتسعت لمواجهة مباشرة خارج حدود فلسطين بين إيران الساعية لامتلاك قدرات نووية واسرائيل النووية أصلا, يقدر الخبراء أن التداعيات من هذه الاضطرابات الجيوساسية ستحد من فعالية أسواق الطاقة عالميا وتقود إلى ارتفاع حاد في سعر النفط إلى مايزيد عن 64 دولارا إضافية وحركة عشوائية في مؤشر VIX وإلى تآكل الـGDP  العالمي بشكل قد يستحيل تفاديه والكثير من التداعيات الأخرى. تعقد الوضع القائم حدى ببعض منتجي النفط  إلى زيادة إنتاجهم والتأثير على أسعار الطاقة بينما ارتأت دول كثيرة القيام بتحركات موازية لتأمين مستقبلها الطاقوي بمصادر طاقة متجددة مثل الهيدروجين والتعاقد مع موردين جدد حول العالم, أهم من قاد هذا التوجه هي كتلة الاتحاد الاوروبي بكاملها.

سؤال الهيدروجين

بوصف الكيميائيين يعد الهيدروجين أبسط المواد الجدولية وأكثرها شيوعا في الوجود. اقتصاديا تتركز القيمة المضافة للهيدروجين بكونه ناقل مثالي للطاقة ووسيلة توليد نظيفة للكهرباء أما غاز الهديروجين فهو مختلف عن الغازات الاخرى فهو قابل للحرق وتوليد الطاقة داخل المحركات لتشغيل المركبات حتى الثقيلة منها, فعال في إنتاج الكهرباء أو توليد الحرارة  بنفس مستوى الكفاءة التي يحققها الوقود الاحفوري ويدخل في تركيب الامونيا والميثانول وهما ماديتين لاغنى عنهما في في الاسمدة ومنتجات البلاستيك, لكن العالم ليس حديث العهد بمصادر الطاقة المتجددة أو مايصطلح على تسميتها بالطاقة “النظيفة” , العقد الاول من القرن الجاري اصطلح على تسميته بعقد الطاقة الشمسية والرياح والثاني بعقد البطاريات أما الآن فيتوارد إلى ذهن الكثيرين بأن عصر الهيدروجين قد بدأ.

يتزايد الاهتمام الدولي  بالاستثمار في توليد الهيدروجين في الفترة الأخيرة, يتحدث تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذريةIEA 2022 عن أن أكثر من 30 بلدا حول العالم قد وضعت استراتيجات وطنية بهذا الصدد وأخرى تعمل على ذلك للحد من  فاتورة الحروب القائمة حاليا على الانتاج مع العلم بأن هذا التوجه قائم أصلا منذ اتفاق باريس حول المناخ2015.  حسب التقرير المذكور  يتمتع الهيدروجين بقدرة تخزينية عالية على المدى الطويل وهذه أحد أكبر مشاكل الطاقة, حيث من الممكن أن يحدث ذلك انقلابا في قطاع نقل وتخزين الوقود والطاقة العالمي  لكنه لحد الآن لايزال يستصنع بشكل شبه كامل من الوقود الأحفوري أما بالنسبة لجهود الانتقال الطبيعي لصفر كربون بحلول 2050 فيقدر الخبراء أن الهيدروجين قد يتكفل بتغذية القطاعات الثقيلة بالطاقة بعد أن كانت حكرا على الطاقة الأحفورية بالاضافة إلى أنه قد يفي بـ 13% من احتياجات العالم من الطاقة  مع حلول منتصف القرن في أقل السيناريوهات تفائلا

كيف تقبل العالم الهيدروجين حتى اليوم؟

إحدى ركائز النظرية الكلية في الاقتصاد هي الشعور العام والذي يعتبر أحد محددات الطلب العام  (AD)  في النظام الاقتصادي, هذه الركيزة مبنية على مبدأ نظري يقول بأن الانسان عقلاني في اختياراته التي يرى فيها مصلحة له, لذا تقاس جدوائية السياسات من قبيل الطاقة المتجددة وغيرها بمستوى الطلب عليها, لكن الرؤى السياسية تختلف من بلد لآخر فيما يتعلق بتطبيق سياسات شاملة وتحوّلية مثل هذه, البلدان المتقدمة عادة ماتخشى خسارة جاذبية الاقتصاد أمام نظرائه أو مايعبر عن بـ(مستوى التنافسية), الدول المتوسطة في سلم التنمية تنظر لتكلفة الفرصة البديلة أو تخشى فقدان بعض الأرقام من الناتج المحلي وقس على ذلك. لأجل ذلك لاتزال هناك حاجة ملحة لاستطلاع قناعات أعداد كبيرة من الناس في عدة بلدان لتكوين عينة قابلة للتعميم إحصائيا, هذا ماقامت بعض الدراسات في أستراليا واليابان محليا للوصول إلى تصور واضح حول وعي الناس بالاقتصاد الهيدروجيني بوصفه توجها اقتصاديا حديثا

ملخص الدراسة الأولى المطبقة في أستراليا أن الذكور يفوقون الإناث في مستوى الاطلاع والوعي بمسألة الهيدروجين بـ (89%) مقابل (69%) بالاضافة إلى أن منسوب الوعي تبين أنه يزداد بين الكبار في السن أكثر من الصغار وهو مايتوافق مع دراسات سابقة لكنهم لم يستطيعوا إثبات العلاقة بين مستوى التعليم والوعي بأهمية الاقتصاد الهيدرجيني ولا الوظيفة التي يباشرها الشخص هناك وهذه من الامور المثيرة للإهتمام لكون الوعي البيئي نظريا وإحصائيا يزداد بشكل يتزامن مع الدخل والتعليم حسب مبدأ سايمون كوزنت المعروف. أما فيما يتعلق بتوليد الهيدروجين فقط خلصت الدراسة أن هناك دعم شبه كامل لاستخدام الطاقة الشمسية 80% ثم الرياح 75% أو مزيج من المواد المتجددة والفحم 36% أما الرافضون فقد كانوا حوالي ثلث المستطلعين 21.3% وحوالي 41.6% اختارو الحياد في المسألة. تضيف الدراسة أن الجهل بوسائل السلامة في توليد الطاقة الذرية مثل الهيدروجين تعتبر إحدى بواعث القلق التي قد تدفع الناس إلى عدم تقبل التحول الشامل. أما الباحثون في اليابان فقط تعمقوا في قياس الرأي العام حول التحول الأخضر من القناعات والسلوكيات والآراء حيال جدواه وإمكانية تحقيق الغرض المنشود منه وفي تحقيق الاستدامة باستخدام الهيدروجين كناقل للطاقة, وخلصوا إلى أن انطباعات الناس تؤثر فيها عوامل عدة منها التقتينات الدقيقة, الجدوائية الاقتصادية والأثر البيئي والانفتاح الاعلامي على الموضوع (Beasy, Ajulo, Emery, & Lodewyckx, 2024)

ختاما تطغى الدواعي المناخية على المنطلقات التنموية والاقتصادية بشكل شبه كامل في مايتعلق بموضوع الهيدروجين لكونه يتوقع أن يزيد من وتيرة التحول المنشود عن الوقود الاحفوري حال تبنيه في كل مكان في العالم وهو الأمر الذي لايزال عصيا وبعيد المنال, فمثلا يرى المختصون أن مايعرقل الاستفادة الشاملة من تبني الهيدروجين كمصدر للطاقة هو التغلب على بعض العوائق مثل ندرة آليات معالجة منخفضة التكلفة, إحداث نقلة نوعية في وسائل التخزين عالي الكثافة للهيدروجين, والمسألة الأم في توليد الهيدروجين بأقل قدر مكلف من الطاقة الأحفورية.

مصطلحات:

VIX :- مؤشر اقتصادي للمرونة يتم حسابه باستخدام الأسعار الضمنية لعقود الخيارات لمؤشر S&P 500  كلما ارتفعت قيمة  VIX، زاد توقع السوق للتقلبات الكبيرة في أسعار الأسهم  والعكس

GDP :- الناتج المحلي الإجمالي (GDP) هو مقياس اقتصادي مهم يعبر عن القيمة الإجمالية لجميع السلع والخدمات النهائية التي تم إنتاجها داخل بلد معين خلال فترة زمنية محددة

المصادر:

Yap, J., & McLellan, B. (2023). Evaluating the attitudes of Japanese society towards the hydrogen economy: A comparative study of recent and past community surveys. International Journal of Hydrogen Energy, 48(29), 10918-10931. https://doi.org/10.1016/j.ijhydene.2023.06.123

Lubitz, W., & Tumas, B. (2007). Hydrogen: An overview. In Chemical Reviews (Vol. 107, pp. 3900-3903). American Chemical Society. https://doi.org/10.1021/cr050200z

Beasy, K., Ajulo, O., Emery, S., & Lodewyckx, S. (2024). Advancing a hydrogen economy in Australia: Public perceptions and aspirations. International Journal of Hydrogen Energy, 199–207.

Leave A Comment